حكاية منى أحمد … لاجئة حولت التعليم إلى وسيلة للاندماج والتغيير

نيلوفر البراك

من مدينة غازي عنتاب التركية، تبدأ حكاية تُجسد شغف الإرادة والعلم. منى أحمد، السيدة السورية البالغة من العمر 45 عامًا، اختارت أن تكتب فصولاً جديدة في حياتها رغم بعدها عن وطنها الأم. فكرست حياتها للعلم والتعليم، لتكون مثالاً للاندماج والإبداع المتجدد في مجتمعها الجديد. 

قيِّم هذا الموضوع: 4.5

من مدينة غازي عنتاب التركية، تبدأ حكاية تُجسد شغف الإرادة والعلم. منى أحمد، السيدة السورية البالغة من العمر 45 عامًا، اختارت أن تكتب فصولاً جديدة في حياتها رغم بعدها عن وطنها الأم. فكرست حياتها للعلم والتعليم، لتكون مثالاً للاندماج والإبداع المتجدد في مجتمعها الجديد. 

وصلت منى إلى تركيا في خضم الأزمة السورية نهاية عام 2013، محملةً بإرادة صلبة وشغف للعلم. وأدركت أن التحديات التي ستواجهها ليست سوى فرص لتحقيق نجاحات جديدة، فلم تكن غازي عنتاب مجرد محطة للجوء، بل كانت البداية الحقيقية لتحقيق جزء من أحلامها وطموحاتها ضمن الإمكانيات المتاحة.

منى حاصلة على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة حلب عام 2000. وهي مترجمة فورية وتحريرية مستقلة بخبرة تزيد عن 15 عاما. استطاعت بعد قدومها إلى تركيا الحصول على درجة الماجستير في العلوم الإجتماعية من جامعة غازي عنتاب عام 2018، واليوم هي مرشحة لنيل درجة الدكتوراه في العلوم الإجتماعية من جامعة أنقرة.

 

رحلة اندماج مُلهِمة

وَضعت منى منذ وصولها إلى تركيا نصب عينيها الانخراط في المجتمع التركي من خلال تدريس اللغة الإنجليزية حتى تستطيع تحدث اللغة التركية، فكانت فرصتها الأولى في تدريس اللغة الإنجليزية في جامعة غازي عنتاب بعد وصولها بأشهر. بفضل أسلوبها التعليمي المبتكر وشغفها بنقل المعرفة، استطاعت أن تكسب احترام طلابها وزملائها، واستمرت هذه التجربة حتى عام 2019. لم تكتف منى بالتدريس في الجامعة، بل امتدت جهودها إلى المعاهد الخاصة، حيث ساعدت العديد من الطلبة على تحسين مهاراتهم في اللغة الإنجليزية، مما فتح لهم آفاقًا جديدة في التعليم والعمل.

منى لم تتوقف عند هذا الحد، بل عملت على تأسيس ورش عمل تفاعلية خارج الحرم الجامعي، مستهدفة الشباب والشابات الذين لم تتح لهم فرص التعليم الكافية. بفضل هذه الورش، تمكن العديد من الطلاب من اكتساب مهارات اللغة الإنجليزية التي مكنتهم من التقدم للحصول على منح دراسية، أو إيجاد فرص عمل. 

وفي ظروف الحجر الصحي الذي فرض بسبب فيروس كورونا، بدأت منى تجربتها بتقديم تدريبات ودروس في اللغة الإنجليزية عن بعد على مواقع متخصصة واحترافية تجمعها بالكثيرين حول العالم، ومازالت مستمرة بذلك حتى اليوم، وكانت في الوقت نفسه تطور معرفتها باللغة التركية تدريجياً، محاوِلةً تنظيم وقتها بين العمل والدراسة.

 

التحديات والاندماج

رغم أن الصورة بالمجمل تبدو أنها تسير دون تعقيد، لكن الواقع يكشف الصعوبات التي مرت بها منى بدءا من وجودها وحيدة في بلد جديد وسعيها لتكوين علاقات مهنية، حتى أثناء عملها في الجامعة والذي استمر لخمس سنوات قوبلت خلاله برفض البعض لوجودها كونها سورية، فحمّلها ذلك مسؤولية أكبر لفرض نفسها وإثبات مهاراتها. عانت من الصعوبات المادية التي دفعتها للبحث عن فرص أخرى والصبر على مستوى معيشي معين، إضافة إلى ضغط الدراسة بلغة جديدة تماما. 

لكن أكثر ما ساعدها للتغلب على هذه العقبات هو معرفتها بأن تلك الصعوبات ستواجهها أينما كانت لأنها من طبيعة الحياة، فكانت مؤمنة أنها يجب أن تركز على هدفها فقط، فاستطاعت اجتياز امتحان تعديل الشهادة الصعب الذي يطلب من المواطنين الأتراك الحاصلين على شهادات من الخارج ويعد شرطا أساسيا للعمل في مؤسسات الدولة. فكان ذلك عاملا مساهما لتطوير قدرتها على بناء جسر ثقافي بين المجتمعين السوري والتركي.

من خلال تعليمها، لم تكتف منى بتعليم اللغة الإنكليزية فقط، بل عملت أيضاً على تعزيز التفاهم الثقافي والتسامح بين الطلاب القادمين من خلفيات مختلفة، كما كانت نشطة في المبادرات التي تهدف إلى دعم اللاجئين وتعليمهم مهارات جديدة. 

خلال سنوات تدريسها، استطاعت منى أن تندمج بعمق مع المجتمعات المختلفة التي التقت بها، مستفيدة من تفاعلها الأكاديمي لتعزيز الحوار الثقافي والاندماج الاجتماعي. كانت ترى في كل لقاء فرصة لتعلم شيء جديد ومشاركة رؤى وأفكار تلهم الآخرين. 

 

التأثير الإيجابي والتطلعات المستقبلية

تأثير رحلة العلم المستمرة لمنى لم يقتصر على اكتساب المعرفة فقط، بل تجاوز ذلك إلى تعزيز التفاهم الإنساني وتقديم نموذج يحتذى به في كيفية استخدام العلم لخلق تأثير إيجابي حولها.

جهود منى تجلت أيضًا في تأثيرها الإيجابي على الطلاب الذين عانوا من صعوبات تعليمية ونفسية. وبفضل تفانيها واهتمامها الشخصي بكل طالب وطالبة، استطاعت أن تلهم العديد منهم وتعيد لهم الثقة في أنفسهم وفي قدرتهم على النجاح.

تتمنى منى أن تكون قادرة دائما على خلق بعد إنساني في عملها، فاللغة بالنسبة لها هي وسيلة لربط الثقافات والشعوب، وتسهيل التفاهم والتواصل بين مختلف الأطياف. وهذا ما تسعى له دائما متفهمة الاختلافات والصور النمطية التي قد تقابل بها، لكنها أخذت على عاتقها أن تستمر بالمحاولة للحفاظ على هذا الانسجام والتوازن في كل ما يربطها بمن حولها. 
 


العلامات: #حكايا_الناس, #تعليم, #جامعة, #لغة, #لجوء, #اندماج, #حلب, #تركيا_, #اللغة_الإنجليزية


مقالات مشابهة

We have send a confirmation code to your email address, pleas enter the code here

Confirm