حكاية ساهير مكي … مصممة أزياء سورية تحيك أحلامها بالخيط والإبرة

نيلوفر البراك

ساهير مكي امرأة ثلاثينية كانت قد بدأت مشروعها الصغير في فن التصميم والخياطة بحلب عام 2008 وعندما تصاعدت حدة الصراع في سوريا اضطرت إلى دخول تركيا مع أطفالها وأهلها، حيث انتقلت من موظفة في محل لبيع الألبسة الجاهزة إلى مصممة أزياء تحمل بصمتها واسمها.

قيِّم هذا الموضوع: 4

بالخيط والإبرة، انتقلت ساهير مكي من موظفة في محل لبيع الألبسة الجاهزة بمدينة غازي عينتاب التركية، إلى مصممة أزياء لها تصاميمها الخاصة التي تحمل بصمتها واسمها، لتكمل مشوارها في عالم تصميم الأزياء الذي بدأ في مدينة حلب بأقصى شغف رغم كل الصعوبات التي كانت بانتظارها.

ساهير مكي امرأة ثلاثينية كانت قد بدأت مشروعها الصغير في فن التصميم والخياطة بحلب عام 2008 وعندما تصاعدت حدة الصراع في سوريا اضطرت إلى دخول الحدود التركية عام 2013 مع أطفالها وأهلها بطريقة غير شرعية كلاجئين، بينما توجه زوجها إلى لبنان، تاركين كل شيء خلفهم على أمل عودة قريبة لم تتحقق.

 

العمل الثنائي: نهارا في المتجر وليلا في المنزل

استقرت ساهير مع عائلتها في مدينة غازي عنتاب حيث كان عليها أن تستجمع شتات نفسها سريعا وتبدأ في ترتيب حياة أسرتها، خاصة أنها كانت الأم والأب لأطفالها بغياب زوجها، فبدأت تبحث عن عمل لتوفير احتياجاتهم الأساسية، تعلمت بعض الجمل التركية البسيطة، وسرعان ما حالفها الحظ حينما حصلت على فرصة عمل في متجر لبيع الألبسة تديره سيدة تركية.

شكل العمل في المتجر فرصة استغلتها ساهير لتتعلم اللغة التركية بشكل أكثر احترافية، ولاحظت خلال عملها أن بعض القطع تصل إلى المتجر معطوبة أو متضررة بسبب عمليات التعبئة والشحن من إسطنبول، فاقترحت على صاحبة المتجر أن تقوم هي بخياطة هذه القطع وإصلاحها عوض إرسالها إلى مراكز إصلاح الألبسة، وبعد تجربتها بإصلاح عدد من الفساتين قبلت صاحبة المتجر بعرضها، ما سمح لها أن تدخر جزءا من أجرها نتيجة توفير تكاليف الإصلاح، فاستطاعت لاحقا شراء ما تحتاجه من معدات لتبدأ عملها المنزلي الخاص في المساء بتصميم الأزياء.

 من هنا كانت البداية فأصبحت تعمل نهارا في المتجر، وتمضي الليل في التصميم والخياطة لحسابها الخاص، لتبني سمعة جيدة تزيد من أعداد زبائنها. كان هذا العمل يتطلب منها ساعات طويلة تصل في بعض الأحيان إلى عشرين ساعة متواصلة دون نوم، فهي أيضا أم ولديها مسؤوليات تجاه أبنائها، من بينها الكثير من المعاملات الرسمية التي تتعلق بمدارسهم على أقل تقدير. 

على الرغم من ذلك، سعت ساهير إلى تنظيم جهدها بين المتجر والعمل من المنزل، والتحقت ببعض التدريبات لتزيد من خبرتها في التصميم والتفصيل، ولتتعرف إلى كل جديد يناسب العصر الحالي، وفي عام 2016 استطاعت أن تبدأ عملها الخاص. 

 

التسويق الإلكتروني.. وسيلة جديدة لتوسيع العمل

بعد بدء عملها الخاص، لم تسر جميع الأمور كما خططت لها، فوجدت نفسها أمام مسار إجباري جديد بسبب الصعوبات والتحديات التي واجهتها، فالقوانين الناظمة لعمل الأجانب في تركيا أمر يصعب التعامل معه، إلى جانب التكلفة المرتفعة للتراخيص والضرائب، كما أنها تعرضت لاستغلال أصحاب العقارات، فكان عليها أن تحسب كل خطوة تقوم بها، وأن تحاول فهم القوانين التركية المعقدة. 

ولعل من المثير للتندر أن أصعب ما كان يضايقها هو التنقل بين الولايات كونها سورية تحمل بطاقة الحماية المؤقتة "الكيمليك"، إذ تمنع الحكومة التركية السوريين الحاصلين على هذه الإقامة من التنقل بين الولايات التركية إلا بعد الحصول على إذن سفر رسمي، وهو تصريح  لا بد من الحصول عليه للانتقال من الولاية التي تقيم فيها إلى أي ولاية تركية أخرى، ويتضمن تحديد سبب السفر وتاريخ الانطلاق والعودة، وقد بدأ فرضه على السوريين في تركيا منذ عام 2017، حيث يمكن أن يتعرض المخالفون إلى الترحيل لمناطق شمال غرب سوريا. 

دفعت مصاعب التنقل بشكل أساسي إضافة إلى بعض العوائق الكثيرة الأخرى ساهير لمحاولة التركيز أكثر على التسويق الإلكتروني، ووجدت فيه فرصة مناسبة لنشر وتوسيع عملها. فأنشأت علاقات جيدة مع زبائنها، وسعت لخلق هوية خاصة بها في مجال تصميم الأزياء بالتزامن مع عملها في المتجر. 

مستعينةً بالموارد المتاحة لديها وبإبداعها الفطري، أطلقت ساهير مجموعتها الأولى من الأزياء من منزلها، وكانت تتحدى نفسها بإيجاد تصاميم فريدة ومبتكرة مستوحاة من ثقافتها السورية ومن تجاربها الشخصية. لم تكن البداية سهلة أبدا، فكان عليها أن تواجه تحديات مالية ومهنية، لكنها ظلت مؤمنة بأن لكل قطعة تصممها قصة ورؤية خاصة. كانت تعمد إلى مشاركة عملها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما جذب انتباه زبائن جدد وزاد من شهرتها على المستوى المحلي.

تصميم الأزياء شغف ورسالة قبل أن يكون مصدر رزق

في كل لحظة صعبة تمر بها، تتذكر ساهير كيف وُلِد حبها وشغفها لهذا الفن، تتذكر طفولتها وهي ذات الأعوام العشر، وكيف كانت تراقب جدتها الخياطة الماهرة، وتحاول أن تساعدها دائما. كانت تأخذ بقايا الأقمشة وتصنع بها فساتين لعرائسها محاولة استخدام ماكينة الخياطة لتطبق ما رسمته من تصاميم. رفض والداها شغفها هذا وطلبا منها التركيز على دراستها، لكن اصرارهم على منعها دفعها لتحد أكبر، فأصبحت تُعلّم نفسها أكثر فأكثر؛ حتى أنها كانت تفك خياطة ثياب أمها وتعيد حياكتها دون معرفة أحد، وترسم القطع على الورقة ساعية لتقليدها وهو الأمر الذي ساهم بتنمية موهبتها أكثر، وما أبهر كل من حولها لقدرتها على الخياطة بخطوات متقنة وتصميم خاص وهي في سن صغيرة. 

كانت ساهير ومازالت شغوفة بمتابعة مصممي الأزياء العرب والأجانب، تحاول معرفة كل جديد وكيف تجعل تصاميمها جميلة أيا كان شكل الجسد ولون البشرة والعمر.

تدرك الشابة السورية بأن التحديات والصعوبات ولحظات القلق ستكون موجودة دائما، لكنها في المقابل ستبقى متمسكة بحلمها ورغبتها بأن تصبح مصممة أزياء عالمية، تطمح إلى أن يكون لها متجرها الخاص الذي يحمل علامتها التجارية، وبكادر عمل كبير، تستطيع من خلاله إثبات أن العمل فيما نحب ثروة لنا أينما كنا. 

اليوم، وبعد سنوات من العمل المتواصل والتحديات الكبيرة، لم تصبح ساهير مكي مصممة أزياء فقط، بل باتت أيضا قصة نجاح تعكس قوة الإرادة والإبداع. تطمح الآن إلى توسيع أعمالها لتشمل أسواقاً خارجية، وتخطط لإطلاق مجموعات جديدة تتجاوز فيها الحدود الثقافية والجغرافية، كما تسعى لإطلاق ورشات عمل لتعليم التصميم والخياطة لمن يحلمن بدخول هذا المجال، إذ ترى ساهير أن لكل شخص الحق في تحقيق أحلامه مهما كانت الصعوبات، وتؤمن بأن العمل فيما نحب ليس فقط مصدر رزق، بل هو أيضا رسالة نبعثها للعالم.


العلامات: #حكاية_الناس, #حكاية, #تصميم_أزياء, #أزياء, #موضة, #فستان, #ألبسة, #خياطة, #لجوء, #حلب, #غازي_عينتاب, #اللغة_التركية, #أطفال, #عمل_خاص, #تسويق_إلكتروني, #تصريح_عمل, #ترخيص, #ضرائب, #كيمليك, #حماية_مؤقتة


مقالات مشابهة

We have send a confirmation code to your email address, pleas enter the code here

Confirm