لن أشتاق دمشق

ديما شلار

مشوار مع دانا سقباني إلى مدينة كهرمان مرعش

قيِّم هذا الموضوع: 5

"لن أشتاق دمشق … هذا ما كان يدور في خاطري آخر يوم قبل الوداع، تجولت في شوارعها القديمة وفي الأماكن التي اعتدت زيارتها مع صديقاتي. كنت متأكدة أنني سأشتاق إليهن، لكني لم أعتقد أبداً أني سأشعر بأي نوع من الحنين لشوارع المدينة أو جدران أزقتها". هكذا وصفت دانا سقباني (32 عاماً) مشاعرها قبيل مغادرة سوريا.

غادرت دانا دمشق عام 2017، واختارت عائلتها مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا مكاناً للعيش، تقول دانا: "كانت دمشق تمر بأسوأ أيامها، وكانت الظروف المعيشية صعبة جداً، انقطاعٌ في الكهرباء والإنترنت، وانتشار الحواجز الأمنية في كل مكان، وشعور عام بالاختناق يسيطر على الجميع".

بعد ثلاث سنوات من إقامتها في غازي عنتاب، زارت دانا مدينة كهرمان مرعش لأول مرة، وصعدت إلى جبل المدينة الشهير، ذو الترّاس الكبير والإطلالة البانورامية التي تشرف على المدينة بأكملها، حيث يمكن تمييز الاختلاف بسهولة بين أحياء المدينة القديمة والحديثة.

في تلك اللحظة المسائية على قمة جبل مرعش، عادت دانا إلى دمشق، إلى منزلها على سفح جبل قاسيون في حي المهاجرين الدمشقي. "شعرتُ أن المشهد مشابهٌ جدًا لإطلالة منزلي، ربما كانت دمشق تمتد على مساحة أكبر من كهرمان مرعش، ربما كانت ارتفاعات الأحياء والمنازل مختلفة، وبالرغم من ذلك فإن صورة مرعش من الجبل في تلك اللحظة تطابق ما يمكن أن أرسمه في مخيلتي عن مدينتي، رغم أن دمشق في الحقيقة كانت أكثر حزناً حينها، وأكثر اهتراءً وعشوائية".

من سفح الجبل في مرعش، تتذكر دانا إطلالة منزلها في دمشق والتي كانت كفيلةً بأن تجعله مقصداً للأقارب والزوار. أطفالٌ يلعبون في إحدى الزوايا، وكبار يتجاذبون أطراف الحديث في زاوية أخرى. "شعرتُ للحظةٍ أني أطل على دمشق قبل ثماني سنوات، تلك المدينة التي تبدو جميلة من بعيد، إلا أن أحياءها كانت تختفي في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء، بينما تعاني المناطق المحاصرة القريبة مثل دوما وجوبر من قصف قوات النظام السوري المستمر".

مع إدراكها هذا التناقض بين الجمال والبؤس، تمنت ابنة حي المهاجرين في تلك اللحظة رؤية ساحة العباسيين في دمشق؛ وحي التضامن؛ والمخيم؛ وكل تلك الأماكن سالمةً هادئة مرة أخرى. تقول دانا بمشاعر متضاربة فرضها المكان: "عدت إلى الواقع ووجدت نفسي في تركيا بولاية أزورها لأول مرة بغرض السياحة، مدركة أني سأعود بعد نصف ساعة إلى مكان إقامتي خلال السنوات الثلاث الأخيرة في ولاية تركية أخرى، وليس إلى منزلي في الشام".

"لن أشتاق دمشق! ذلك الإحساس كان خاطئاً بالكامل". عادت دانا إلى مدينة غازي عينتاب مع روح مثقلة بالمشاعر، لكنها كانت أيضاً ممتنة لتلك الأمسية التي أعادتها إلى ديارها ولو للحظات خيالية قصيرة. عادت إلى غازي عنتاب وهي تدرك أن قلبها سيبقى معلقاً بدمشق، وأنها ستظل تحمل ذكرياتها الجميلة والمؤلمة معاً، أينما كانت.


العلامات: #دمشق, #لجوء, #غازي_عينتاب, #تركيا_, #جبل, #قاسيون, #حي_المهاجرين, #حصار


مقالات مشابهة

We have send a confirmation code to your email address, pleas enter the code here

Confirm